الثورة الصناعية والاكتشافات الجغرافية في التاريخ البشري

في هذا المقال، سوف نستعرض الثورة الصناعية والكشوفات الجغرافية، بالإضافة إلى الظروف التاريخية التي رافقت تلك الأحداث. سنتعرف أيضًا على حجم التغيرات التي طرأت على الأنظمة الاقتصادية والأنظمة الاجتماعية في أوروبا نتيجة لتطور وسائل الإنتاج، وفيما يلي سنستعرض الظروف التي مرت بها الثورة الصناعية والكشوفات الجغرافية.

أولاً: مفهوم الثورة الصناعية

• تُعرَّف الثورة الصناعية بأنها التغيير السريع الذي شهدته الدول الأوروبية منذ أواخر القرن الثامن عشر. شهدت أوروبا نهضة حديثة في مجالات متعددة، نتيجة للعديد من الأبحاث والاختراعات التي أدت إلى زيادة الإنتاج، مما دفع المجتمع للتحول من الحرف اليدوية والزراعة إلى الصناعة المعتمدة على الآلات.
• وبما أن الآلات تحتاج إلى مهارات خاصة وصيانة متكررة، ظهرت مجموعة من التخصصات في مجال العمل. وقد أطلق على هذا التغيير مصطلح “الثورة الصناعية البيضاء”، إشارة إلى تحول مجتمعي قائم على الأبحاث والتجارب العلمية بدلاً من العنف.
  • بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت بداية ملحوظة في عام 1840 مع ازدهار السكك الحديدية، وامتدت إلى بقية أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن التاسع عشر.

من أبرز مؤرخي الثورة الصناعية

• المؤرخ الفرنسي أدولف بلانكي.
• عالم الاقتصاد الألماني فريدريك أنغلز.
• المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي.
• العالم الإنجليزي آدم سميث، الذي طرح مفهوم تقسيم العمل في كتابه “ثروة الأمم” الذي نُشر عام 1776، حيث اعتبر أن تقسيم العمل هو أفضل وسيلة لزيادة الإنتاج.

الظروف التي ساهمت في قيام الثورة الصناعية

• شهدت الثورة الصناعية العديد من التطورات، بما في ذلك اختراع العالم الاسكتلندي جيمس واط للآلة البخارية وتطويرها إلى آلة ميكانيكية.
  • تم تصنيع 200 آلة في مختبره، واستخدمت في عدة مجالات منها مناجم الفحم والحديد، مما أدى إلى تطوير وسائل النقل وظهور البواخر والقطارات المعتمدة على الفحم والبخار.
• ساهم استخدام هذه الآلات في تطوير الإنتاج الصناعي، حيث تم إحلال الآلات مكان القوى البشرية، مما جعل دور الإنسان يقتصر على التصميم وإدارة الآلات للوصول إلى الإنتاج المطلوب.
  • نتيجة لهذه التطورات، أصبحت هناك حاجة كبيرة لرؤوس الأموال لتغطية تكاليف المصانع، مما أدى إلى تسلم الأثرياء زمام إدارة الأعمال في أوروبا، وبالتالي نشوء الرأسمالية.

كيفية نشوء الثورة الصناعية وتطورها

• تتفق الآراء على أن جذور الثورة الصناعية تمتد إلى أواخر القرن الثامن عشر.
  • لكن هناك فئة من المفكرين، مثل الكيميائي السويسري فيرنر، تعتبرها حدثاً قديماً يعود إلى القرن الرابع عشر مع بروز الطبقة البرجوازية في فلورنسا.
• يمكن القول إن جذور الثورة الصناعية بدأت في القرن السابع عشر.
  • حيث ظهرت شركات البحرية الكبرى مثل شركة الهند الشرقية البريطانية والهولندية، التي استغلت الموارد البشرية والمادية لدعم الكشوفات الجغرافية والتقدم التكنولوجي مثل اكتشاف البوصلة.
  • تأسست هذه الشركات كنواة للعديد من الشركات متعددة الجنسيات التي نشأت لاحقاً.
• تبنت الدول الأوروبية مبدأ الحريات في القرن السابع عشر، بما في ذلك حرية التجارة والصناعة، مما أسهم في تعزيز المنافسة الحرة.
  • في مارس 1791، أصدرت فرنسا قانونًا ألغى العديد من الشركات التابعة للدولة، مما يعكس مبدأ الحرية في التجارة والصناعة.
  • وفي القرن الثامن عشر، اعتمدت بريطانيا تدابير مماثلة، مما أسهم في تسريع ظهور الثورة الصناعية.
• بحلول القرن التاسع عشر، أصبحت الأسواق تعمل بشكل ذاتي التنظيم دون تدخل الدولة، كما قال الاقتصادي البريطاني كارل بولاني.

ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا

• على الرغم من حدوث هذه التغيرات في فرنسا، فإن الثورة الصناعية بدأت في بريطانيا أولاً.
  • ويرجع ذلك إلى الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي الذي تميزت به بريطانيا، حيث بدأت الثورة باختراع الآلة البخارية وتوسعت لاحقاً لتشمل بقية أوروبا والعالم.
• تميزت الثورة الصناعية بظهور مصانع الغزل والنسيج والأفران عالية الحرارة لصهر الحديد.
  • تحتاج الآلات إلى مصادر متنوعة للطاقة، حيث تم البدء باستخدام الفحم، تلاه استخدام البخار، وفي القرن العشرين تمت الإشارة إلى الكهرباء كمصدر رئيسي لتشغيل الآلات.

نتائج الثورة الصناعية

أسفرت الثورة الصناعية عن العديد من النتائج المهمة التي تركت أثراً عميقاً على أوروبا والعالم، ومن أبرز هذه النتائج:

• ازدياد عدد المصانع الضخمة نتيجة لاكتشاف الآلات، مما زاد الحاجة إلى المواد الأولية.
  • تطلب تشغيل المصانع كميات كبيرة من المواد الأولية بسبب سرعة الإنتاج.
• هجرة السكان من الريف إلى المدن، حيث أصبحت الصناعة سبيلاً جيدًا لتحسين مستوى المعيشة، مما أدى إلى ترك الزراعة والخوض في العمل الصناعي.
• ظهور طبقة جديدة من العمال نتيجة انتشار المصانع، حيث شكلوا عبئًا اقتصاديًا، مما أدى إلى ظهور معاناتهم وجعل من الضروري تأسيس منظمة العمل الدولية عام 1919.
• زاد التلوث الكيميائي نتيجة لاستخدام الآلات المعتمدة على الطاقة، مما أدى إلى انبعاث الدخان الملوث من المصانع والسيارات، وانتشرت هذه الظاهرة في جميع أنحاء العالم.
• استخدم الاستعمار كوسيلة للحصول على المواد الأولية الضرورية للاستثمار في الصناعة، وأيضاً للبحث عن أسواق لتصريف الفوائض الإنتاجية.

تُعتبر الثورة الصناعية من بين أهم الثورات التي حدثت في العالم، حيث أثرت إيجابيًا على الدول المتقدمة وسلبيًا على الدول النامية، وتحولت العديد من هذه الدول إلى مستعمرات تسيطر عليها الدول الأوروبية لضمان تأمين المواد الأولية وتصريف المنتجات.

الكشوفات الجغرافية ونتائجها

• تُعتبر الكشوفات الجغرافية رحلات اجتاحت القرن الخامس عشر، حيث قام بها الأوروبيون لاكتشاف أراضٍ جديدة بغرض استيراد المنتجات من المناطق الشرقية.
• جاء ذلك بعد فرض التجار المسلمون ضرائب مرتفعة على بضائعهم، مما جعل الأوروبيين يسعون للبحث عن طرق جديدة للوصل إلى جزر الهند مباشرة، مبتعدين عن التفاعل مع التجار المسلمين. وكانت البرتغال وإسبانيا هما الرائديْن في هذا الاتجاه.

أثر الكشوفات الجغرافية:

• أثرت الكشوفات الجغرافية تأثيرًا ملحوظًا على مختلف جوانب الحياة في ذلك الوقت.
  • انتعشت الحياة الاقتصادية بشكل جيد، وبرزت الطبقة البرجوازية الجديدة، كما تم الإطاحة بالنبلاء، مما أدى لتقوية الرأسمالية.
• أصبحت الصناعة تتحكم في قطاع الإنتاج بشكل رئيسي، مما أدى لفقدان البحر الأبيض المتوسط لأهميته بعد بروز دور دول أوروبا الغربية.
  • تعزيز العلوم الجغرافية أدى إلى إنشاء أسواق جديدة في الدول الأوروبية لتصريف منتجاتهم.