الإمام مالك بن أنس
الإمام مالك بن أنس، هو أحد الأعلام البارزين في الفقه الإسلامي. وُلِدَ في عام 93 هـ في المدينة المنورة، التي شهدت عددًا من الأحداث التاريخية المهمة بالنسبة للإسلام، مثل هجرة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم وتأسيس الدولة الإسلامية. ينتمي الإمام مالك إلى عائلة نبيلة عُرفت بعراقتها في العلم والدين. كان يُكنى بأبي عبد الله، وقد تميز بصفات جسدية خاصة، إذ كان طويل القامة وعريض المنكبين وعظيم الهامة، وكان يتمتع بوجه مشرق ولون أشقر وعينين زرقاوين وشعر أبيض ولحية كثيفة. وقد أشار عيسى بن عمر إلى جمال وجهه وبياض ثوبه، بينما وصفه أبو عاصم النبيل بأنه أفضل محدث من حيث الهيئة. أثنى العلماء عليه فعلاً، حيث قال الشافعي: “لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز”. وتوفّي الإمام مالك في 14 ربيع الأوّل، 179 هـ، في عهد هارون الرشيد، عن عمرٍ يناهز خمسة وثمانين عامًا، وتمت الصلاة عليه في المدينة المنورة ودفن في البقيع.
نشأة الإمام مالك بن أنس
وُلِد الإمام مالك في المدينة المنورة، والتي وُصِفت بأنها مهد الرسالة الإسلامية، حيث أنزل الله الوحي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيه. تعتبر المدينة مكانًا تاريخيًا ودينيًا عظيمًا فقد شهدت وفاة النبي وأول الخلفاء الراشدين. وقد عاش الإمام مالك في بيئة قريبة من علماء وفقهاء عديدين، حيث نشأ على الطاعة والبر والتقوى. بدأ دراسته للعلم تحت إشراف ابن هرمز، الذي كان له الفضل الكبير في تشكيل فكره. بعد ذلك، جلس مع ربيعة الرأي ونافع مولى ابن عمر، ودرس عنهما العديد من الأحاديث. تطوَّر الإمام مالك ليصبح رجل العلم البارز الذي يأتي إليه الطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي يعكفون على تعليمه والنهل من علمه، رغم محاولات الخلفاء العباسيين لانتقاله إلى بغداد، لكنه أبى ولم يغادر المدينة المنورة إلا للحج. وُصِف الإمام مالك من قبل العديد من العلماء بالنجم الساطع في العلم، حيث كان يُعتبر صمام الأمان للحديث النبوي.
معاناة الإمام مالك
خلال حياته، مرَّ الإمام مالك بمحنة صعبة نتيجة الاختلافات السياسية في عصره. حيث كان الحكام يفرضون على الناس الحلف بالطلاق أثناء البيعة، مما جعل الإمام ينقل حديثًا يُفيد بأن: “ليس على مقهورٍ يمينٌ”. اعتُبرت هذه الرواية تحديًا للسلطة، فتعرض الإمام مالك للعقاب والزج به في السجن، حيث تم ضربه بالسياط حتى تسببوا بإصابة جسدية مُؤلمة له. وعلى الرغم من معاناته، أظهر الإمام مالك عفوًا عن مُعذبيه، وكان يردد لمن حوله: “أشهدكم أني جعلت ضاربي في حلّ”، مُعبرًا عن تجنب العداء والكراهية. كان يُفضل التحلي بالصبر إلى جانب الوقوف في وجه الظلم بشجاعة، مما زاد من احترام الناس له وتقديرهم لعلمه، وتوفي بعد وقت قصير من تلك الحادثة، تاركًا أثرًا عميقًا في ذهنية أهل المدينة وطلاب العلم.