العوامل التي تعزز الصبر
- يسعى العديد من المسلمين إلى تحقيق الأمور التي تفضلها الله سبحانه وتعالى، والتي أوصى عباده المخلصين بالالتزام بها من أجل نيل رضاه والوصول إلى جنات النعيم.
- خلال هذا البحث، نجد أن الصبر يعد من الأمور التي أمرنا الله بها – عز وجل – كما وصانا بها نبي الأمة، محمد صلى الله عليه وسلم.
- إذ يُعتبر الصبر أحد المفاتيح الأساسية للحياة، التي تقودنا إلى العيش الصالح حيث يستمتع الإنسان برغد الحياة الدنيا ويظفر بجنان الآخرة.
- لذا، عندما نتأمل في العوامل التي تسهل الصبر، نجد الكثير من الأمور السهلة والبسيطة التي يمكن أن تساعد الإنسان في تحصيل هذه الصفة.
- يُعتبر الصبر في بعض الأحيان صعباً على الإنسان أن يتمسك به، ولكن على عكس ذلك، نجده سهلاً على أولئك الذين جعلوه جوهراً أساسياً في حياتهم، حيث أعانهم الله تعالى عليه. ومن العوامل التي تساعد على تعزيزه نجد ما يلي:
اتباع أوامر الله وتعاليم النبي الكريم
- إن الله عز وجل جعل الصبر مفتاحاً من مفاتيح الجنة، وقد حث الله تعالى عباده المؤمنين الصابرين على التحلي بهذه الفضيلة.
- كذلك ذكر في آياته الكريمة جزاء الصبر، حيث يقول تعالى في سورة النحل: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلّا بِاللَّه).
- وفي سورة آل عمران، جاء قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وفي سورة السجدة ذكر سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون)، بالإضافة إلى العديد من الآيات التي تدعو المؤمنين إلى التحلي بالصبر.
- كما حثنا الحبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلم على الالتزام بالصبر في مواجهات الحياة، وخاصة في مواجهة الصعوبات والأزمات.
- وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الصبر هو سبيل النصر، فقال: (واعلم أن النصر مع الصبر).
- وفي رواية عن أنس بن مالك رضي الله عنه، يبين جزاء الصبر الذي أعده الله لعباده المخلصين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- (يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا، واللَّهِ يا رَبِّ ويُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا، مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له:
- يا ابْنَ آدَمَ هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا، واللَّهِ يا رَبِّ ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ).
محبة الله والإيمان به
- يعتبر الإيمان العميق في قلوب المؤمنين من الأسس التي تعين على الصبر، إذ يكون العبد المخلص رضياً وخاضعًا لله سبحانه وتعالى.
- ويكون العبد الذي يحب مولاه مطيعًا له ومتبعًا لأوامره، مما يجعل هذه الأوامر جزءًا أصيلاً من حياته.
- كما قال الله تعالى في محكم تنزيله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم).
الحياء والخوف من الله
- يعتبر الخوف من الله سبحانه وتعالى والخوف من العواقب التي حذرنا منها من الدوافع التي تجعل المؤمن يتمسك بالصبر ويتقرب إلى الله بكل ما أمر به ويتجنب نواهيه.
- لذا نجد المؤمن دائم الحياء من الله عز وجل في فعل ما يغضبه وترك ما يحب، كما قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ).
قصر الأمل
- يعد قصر الأمل من العوامل التي تسهل على الإنسان الصبر وتجعله يثابر على جعل هذه الفضيلة جانبًا أساسيًا في حياته.
- فإذا آمن الإنسان بأن الأجل قريب، وأنه من الممكن أن يلقى ربه في أي وقت، فسوف يتمسك بالأعمال الصالحة وأوامر الله أكثر، بما في ذلك الصبر.
- وقد ذكرنا بمثل قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).
الإلحاح في الدعاء لله تعالى
- إن اللجوء بالدعاء إلى الله تعالى لتحقيق ما يتمناه العبد من الأمور التي تعزز الصبر، حيث إن الإلحاح في الدعاء والاستمرار به وزيادة الطلب من الله عز وجل تسهم في تعزيز قوة الصبر.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعَنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحسنِ عبادتِكَ).
تذكر قصص الأنبياء والصالحين
- إن قصص الأنبياء والصالحين مليئة بالعبر والدروس التي يمكن أن يستلهمها الإنسان، مما يساعده على تعزيز الصبر والسير على نهج السابقين في إرضاء الله.
- قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
- لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله أفضل نماذج الصبر، فقد واجهوا العديد من الابتلاءات في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة الإسلام.
- فقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعوام من الحصار في شعب أبي طالب، وصبر على قتل أصحابه، وتحمل تعذيب أحبابه.
- وصبر عند هجرته وتعرضه لمخططات الأعداء لقتله، وصبر على الشتائم والاعتداء من بعض اليهود في الطائف.
- كما صبر عندما تم اتهامه من قبل بعض المنافقين، وامتثل لأمر الله تعالى عندما قال: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا).
الغيرة من صبر الكفار
- نشهد أن الكفار يظهرون صبرًا على كفرهم بالله تعالى، كما أنهم يصبرون في سبيل الباطل، حيث قال الله عنهم: (وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ).
- فما بال المؤمنين الذين أمروا بالصبر من أجل تحقيق رضا الله في الدنيا والتمتع بحياة سعيدة ونيل جنات النعيم في الآخرة.
- اختيار الرفقة الصالحة يعد من أهم العوامل التي تعزز الصبر والالتزام؛ إذ إذا كان لدى المؤمن رفيق صالح يدعوه لتذكر الله، فسوف يطيع أوامر الله.
- فالرفيق الصالح يساعد المؤمن في تخفيف مصاعبه ويقف بجانبه في الأوقات العصيبة، كما يشجعه دائمًا على الصبر والعودة إلى الله.
الرضا بقضاء الله
- يُعد القضاء والقدر من الأمور التي كتبها الله تعالى على الإنسان، ويجب على كل مؤمن أن يؤمن بما قدره الله.
- عليه أن يعتقد بأن الله يكتب له الخير في كل ما يحدث في حياته، حتى لو كان له رأي آخر.
- ومن أجل أن يعيش الإنسان الرضا بقضاء الله تعالى، عليه أن يتحلى بالصبر ويرضى بما قضاه الله، ويدرك أن ما منحه في هذه الحياة هو خيرٌ له.
- وفي هذا السياق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلّا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).
- إلى جانب ضرورة تقليل أثر المصائب في النفس، يعد ذلك دليلاً على التحلي بالصبر والرضا، حيث عدم تعظيم التحديات هو أيضاً نوع من الصبر.
- وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحلي بالصبر عند مواجهة المصائب، فقال: (يا أيُّها النَّاسُ أيُّما أحدٍ منَ النَّاسِ أو منَ المؤمنينَ أصيبَ بمصيبةٍ فليتعَزَّ بمصيبَتهِ بي عنِ المصيبةِ الَّتي تصيبُهُ بغَيري، فإنَّ أحدًا مِن أمَّتي لن يُصابَ بمصيبةٍ بَعدي أشدَّ علَيهِ من مُصيبَتي).
فضل الصبر
الصبر يعد من الأمور التي يحث عليها الإسلام، سواء في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، ويعتبر من الأخلاق الحميدة، وتتنوع ثمار الصبر ومن أهمها:
- التوفيق في أن يكون الله تعالى مع الصابرين، حيث يقول عز وجل: إن الله مع الصابرين.
- كسب محبة الله، حيث ورد في الحديث: إن الله يحب الصابرين.