حروف العطف في الشعر العربي
حرف العطف هو تابعٌ يُستخدم لربط المعطوف بالمعطوف عليه، وبينهما أحد الحروف التسعة: (الواو، الفاء، ثمّ، حتّى، لكن، بل، أم، لا، أو). تتبع هذه الحروف في الإعراب نفس تقدير المعطوف عليه من حيث الرفع والنصب والجر، لذا يُسمى المعطوف تابعًا، والمعطوف عليه متبوعًا. نستعرض معاني حروف العطف من خلال بعض الأمثلة الشعرية العربية:
حرف الواو
تمرّ الواو بمعنى إشراك المعطوف في الفعل أو الحدث الذي قام به المعطوف عليه، دون التمييز بينهما بخصوص الترتيب الزمني. يمكن أن يحدث المعطوف قبل أو بعد ما يليه، مما يعكس فكرة الجمع والمشاركة.
- المتنبي قال:
الشاعر، فمِن مالِهِ مالُ الكبيرِ، ونفسُهُ
ومِن مالِهِ درُّ الصغيرِ ومهدُه
- محمود سامي البارودي أضاف:
هذا يَحُلُّ وذاكَ يرحلُ كارهًا
عنهُ، فصُلحُ تارةً وخصامُ
- المتنبي أيضًا ذكر:
هذهِ دولةُ المكارمِ والرأ
فةِ والمجدِ والنَّدى والأيادي
- محمود البارودي لاحظ:
فالنُّورُ -لوبيَّنتَ أمْركَ- ظُلمةُ
والبدءُ -لو فكَّرتَ فيهِ- خِتامُ
- المتنبي قال:
فقد ملَّ ضوءُ الصُّبحِ ممّا تُغيرهُ
وملَّ سوادُ اللَّيلِ ممّا تُزاحِمُه
- المتنبي أضاف أيضًا:
فالخيلُ واللَّيل والبَيْداءُ تعرفني
والسّيف والرُّمح والقرطاسُ والقلمُ
حرف الفاء
تدل الفاء على الترتيب والتعقيب، حيث تأتي بين حدثين مترابطين. عند استخدام الفاء، يدل السياق على أن الحدث الثاني يتبع الأول مباشرة وعادة دون فاصل زمني كبير. كما يمكن أن تشير إلى السببية إذا عُطفت جملة على أخرى.
- أبو نواس يقول:
فَآكفكَفَ منتصبَ المَنكبينِ،
لِفرطِ الشَّهامة والنجدة
فَـقلنا لِسائِسهِ:ما تَرى!
فـأطلقهُ سَلسَ العُقدهْ
فـمرَّ كّمرِّ شهابِ الظّلامِ،
لِيفعلَ داهيةً إدَّهْ
فـأنحى لهُ في صَميم القَذال
فـشكَّ المُذمَّرَ، أو قُدَّهْ
- محمود سامي البارودي أيضًا أورد:
قالت دخلتَ وما إخالُكَ بارِحًا
إلّا وقد أبقيتَ عارَ المُسنَدِ
فـمسحتُها حتّى اطمأنَّ فؤادها
ونفيْتُ روعتها برأيٍ مُحصَدِ
- جرير قال:
ألمّ خيالٌ هاجَ وَقْرًا على وقرِ
فـقلتُ: أما حَيّيْتمُ زائرَ السَّفرِ
- محمود سامي البارودي أضاف:
فـساقهم منَزِلُ الغيثِ سجلا
يجعلُ النَّبتَ للعراءِ وِشاحا
ثمّ
تستخدم (ثمّ) للدلالة على الترتيب مع وجود فاصل زمني بين الحدثين. مثال على ذلك هو: (دخل مؤمن الصف ثم ابتهال)، حيث يأتي دخول ابتهال بعد فترة زمنية من دخول مؤمن.
- أبو نواس يقول:
ثُمَّ وسِّدهُ، إذا ما غلَبتْ
سَورةُ الرَّاحِ عليه، عَضُدَهُ
- جرير أضاف:
هنيئًا للمدينةِ، إذْ أهلّتْ
بأهلِ المُلكِ أبدأ ثمَّ عادَا
- أبو نواس يقول:
قُل لِمَن سادَ ثُمَّ سادَ أَبوهُ
قَبلَهُ ثُمَّ قَبلَ ذَلِكَ جَدُّه
ثُمَّ آبائُهُ إِلى المُبتَدى مِن
آدَمَ لا أَبٌ وَأُمٌّ تَعُدَّه
- مجنون ليلى قال:
فَوَاللَهِ ثَمَّ وَاللَهِ إِنّي لَدائِبٌ
أُفَكِّرُ ما ذَنبي إِلَيكِ فَأَعجَبُ
- جرير يقول:
أَلا حَيِّ رَهبى ثُمَّ حَيِّ المَطالِيا
قَد كانَ مَأنوسًا فَأَصبَحَ خالِيا
- البحتري أورد:
أَميلُ بِقَلبي عَنكِ ثُمَّ أَرُدُّهُ
وَأَعذِرُ نَفسي فيكِ ثُمَّ أَلومُها
- أبو النجم العجلي قال:
واهًا لِرَيّا ثُمَّ واهاً واها
هِيَ المُنى لَو أَنَّنا نِلناها
- بهاء الدين زهير قال:
يُعاهِدُني لا خانَني ثُمَّ يَنكُثُ
وَأَحلِفُ لا كَلَّمتُهُ ثُمَّ أَحنَثُ
أو
تستخدم (أو) للتعبير عن الشك أو التخيير، سواء كان بين خيارين أو أكثر. على سبيل المثال: (تريد الربح أو الخسارة). عند الشك، يمكن استخدام (أو) بعد الاستفهام، مثل: (أحسين خدمك أو أحمد؟).
جرير يقول:
هلْ تَذكرونَ بلاءَكمْ يومَ الصّفا
أو تذكرونَ فوارسَ المأمورِ
أو دُخْتُنوسَ غداةَ جُزَّ قُرونها،
ودَعَت بدعوةَ ذلَّةٍ وثُبورِ
- البارودي أضاف:
إنَّ في بُردَتيَّ هاتَينِ لَيثًا
يَقِصُ القِرنَ، أو يَفُلُّ السِّلاحا
- البارودي أيضًا قال:
إنّي فقدتُ اليومَ بين بيوتِكم
عقلي فردّوه عليَّ لأهتدي
أو فاستقيدوني بِبعضِ قِيانكم
حتّى تردَّ إليَّ نفسي أو تَدي
- المتنبي قال:
على كلِّ طاوٍ تحت طاوٍ كأنَّهُ
من الدَّم يُسقى أو من اللَّحمِ يُطعمِ
- بشار بن برد أضاف:
جَفا وِدُّهُ فَاِزوَرَّ أَو مَلَّ صاحِبُه
وَأَزرى بِهِ أَن لا يَزالَ يُعاتِبُه
حتى
تعبر (حتى) عن انتهاء الغاية ولها ثلاثة شروط لاستخدامها في العطف: “أن يكون المعطوف اسمًا صريحًا وليس ضميرًا، وأن يكون من أحد أجزاء المعطوف عليه، وأخيرًا أن يكون غاية للمعطوف عليه سواء في الرفعة أو الضعة”.
- المتنبي ينص:
إنّ القوافيَ لمْ تُنِمكَ وإنّما
محَقَتْكَ حتّى صِرتَ ما لا يوجَدُ
- أبو نواس أضاف:
يقرِّبُهُ التَّذكارُ، حتَّى كأنَّني
أعاينُه في كلِّ أحواله عندي
- المتنبي قال:
والذي يضرِبُ الكتائبَ حتَّى
تتلاقى الفِهاقُ والأقدامِ
- أبو نواس أيضًا قال:
خَرجنا، على أنَّ المُقامَ ثلاثةٌ،
فطابَ لنا حتَّى أقمنا بها شهرًا
إذا ما دَنا وقتُ الصّلاةِ رأيتهُمْ
يَحُثّونها، حتَّى تَفوتهمُ سُكرا
- محمود البارودي قال:
حَسُنت به الأيامُ حتَّى أسفرَت
عن وجهِ معشوقِ الشّمائلِ أغْيدِ
وصَفتْ مواردَ مصرَ حتّى أصبحتْ
بعدَ الكُدورةِ شِرعةً للوُرَّدِ
- البارودي قال:
ما زِلتُ أمنعها المَنام غَوايةً
حتّى لقد بِتنا بليلِ الأنْقَدِ
حتّى إذا نمَّ الصّبا وتتابعَت
زِيَمُ الكواكبِ كالْمَها المتَبدِّدِ
أم
تستخدم (أم) لتأكيد التعيين، وتمهد ذلك عادةً مع همزة الاستفهام، كما في (أأنتَ من كسرت الزجاج أم علي). كما تأتي بمعنى الإضراب، مثل (هل ذهبت للصلاة في المسجد أم أنت معتكف في المنزل).
- الخنساء قالت:
قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ
أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ
- المتنبي قال:
أَحُلماً نَرى أَم زَماناً جَديدًا
أَمِ الخَلقُ في شَخصِ حَيٍّ أُعيدا
- أبو الفضل الوليد ذكر:
من حمرةِ الوردِ أم من حمرةِ الخجلِ
هذا المقبّلُ بين الشوقِ والوجَل
- طرابة ابن العبد قال:
أَصَحَوتَ اليَومَ أَم شاقَتكَ هِر
وَمِنَ الحُبِّ جُنونٌ مُستَعِر
- الصرصري يقول:
أوجهك أم ضوء الصباح تبلجا
أم البدر في برج الكمال جلا الدجى
أم الشمس يوم الصحو في برج سعدها
وفرعك أم ليل المحب إذا سجا
وبرق سرى أم نور ثغرك باسما
ونشرك أم مسك ذكي تأرجا
بل
تعني (بل) الإضراب، ويمكن تقسيم الإضراب إلى نوعين: الإضراب الإبطالي الذي ينفي خبرًا سابقًا ويؤكد ما يلي، مثل: (اشترينا خروفا بل جديا)، ويدل الإضراب الانتقالي على الانتقال من حكم سابق إلى حكم جديد، مثل: (خالد متعلم بل عالم).
- محمود البارودي قال:
بَل يا أخا السّيف الطّويل نَجادُهُ
إنْ أنتَ لم تحمِ النّزيلَ فأغمدِ
- أبو نواس لاحظ:
بعفوِكَ، بل بجودِكَ عُذتُ، لا، بل
بفضلكَ، يا أمير المؤمنين
- أبو نواس أيضًا أضاف:
أتصحو بل فُؤادكَ غيرُ صاحِ
عشيّة همّ صحبُكَ بالرّواحِ
- ابن عبد ربه أوضح:
الجسمُ في بَلَدٍ وَالرُّوحُ في بَلَدِ
يَا وحشَة الرُّوحِ بَلْ يَا غُربَةَ الجَسَد
- صفي الدين الحلّي قال:
هُنِئتَ بِالعيدِ بَل هُنِّيَ بِكَ العيدُ
فَأَنتَ لِلجودِ بَل إِرثٌ لَكَ الجودُ
- أبو ذؤيب الهذلي قال:
صَبا صَبوَةً بَل لَجَّ وَهُوَ لَجوجُ
وَزالَت لَها بِالأَنعَمَينِ حُدوجُ
- عنترة ابن شداد قال:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ
بل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
لا
تستخدم (لا) لإعطاء معنى النفي، حيث تؤكد على نفي ما يليها مع إنكار ما بعدها، كما في (جاء علاء لا أحمد). وتنبعث ضرورة وجود فعل أمر أو خبر غير منفي مسبقًا.
- المتنبي قال:
وبيضٍ مسافرةٍ ما يُقِمْـ
نَ لا في الرّقاب ولا في الغُمودِ
- جرير قال:
ولا نَحتَبي عندَ عقدِ الجَوارِ
بغيرِ السّيوفِ ولا نرتَدي
- مصطفى وهبي التل قال:
نَقضوا العُهودَ فلا عهـ
ودَ ولا وفاء ولا ذِمام
- البارودي قال:
لا يُري عاتبًا على شِيَمِ الدَّهـ
ـرِ ولا عابثًا، ولا مَزَّاحا
- المتنبي أضاف:
يَقِرُّ له بالفضلِ من لا يَوَدُّهُ
ويقضي لهُ بالسَّعدِ من لا يُنجِّمِ
لكن
تدل (لكن) على الاستدراك، ومن شروط العطف بها هو عدم اتصالها بواو، أو أن يسبقها نفي أو نهي، وأن يكون المعطوف عليه مفردًا، مثل: (لم أكسب المال لكن ثقة الأحباب).
- المتنبي قال:
أبو المِسكِ لا يفنى بذنبِكَ عفْوُهُ
ولكنَّهُ يفنَى بعُذركَ حقدُهُ
- مصطفى وهبي التل أضاف:
لكنَّ ذكراكَ يا وادي الشّتاء وهوى
جآذر السّير رأسَ الكومِ في رأسي
- البارودي قال:
ولكنْ إذا لم يُسعدِ المرءَ جدُّهُ
على سعيهِ لم يبلُغِ السُّؤلَ جِدُّهُ
وما أنا بالمغلوبِ دون مرامِهِ
ولكنَّه قد يخذُلُ المرءَ جَهدُهُ
- المتنبي أضاف:
وما خَضَبَ النَّاسُ البياضَ لأنَّه
قبيحٌ ولكن أحسنُ الشَّعرِ فاحِمُه
- المتنبي أيضًا قال:
كلُّ آبائِهِ كرامُ بني الدُّنيا
ولكنَّه كريمُ الكِرامِ
- المتنبي أضاف بالأخير:
ولستَ مليكًا هازِمًا لنظيرهِ
ولكنَّكَ التوحيدُ للشّركِ هازمُ