تعتبر الطرق الصوفية في مصر جزءاً لا يتجزأ من التراث الروحي المصري، فهي تُعبر عن عمق الروح المصرية وتجذُر التصوف في المجتمع. ليس الأمر مقتصراً على الريف، بل يمكن رؤية ذلك بوضوح عند مساجد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، حيث يشهد المكان تدفقاً للناس تكريماً لقديسينهم المفضلين. أثناء الأعياد والتقاليد المرتبطة بمولد هؤلاء القديسين، تتحول المساجد والفضاءات المحيطة إليها إلى مواقع للاحتفال والمهرجانات، يعبر من خلالها الغناء الديني والأنشطة الثقافية عن حبهم وشغفهم.
ما هو التصوف؟
- التصوف في مصر، المعروف أيضاً بالصوفية، هو طريقة إسلامية تركز على تطهير النفس وتحقيق مستويات روحية متقدمة من خلال اتباع طقوس وتقاليد معينة، وغالباً يتم ذلك من خلال الانتماء إلى أخوية معينة تحت إشراف شيخ.
- تمتلك الصوفية تاريخاً عميق الجذور في مصر، حيث يزخر المشهد المحلي بمئات المواقع المهمة التي تعكس التقاليد الصوفية القديمة والمعاصرة.
- يُنظر إلى التصوف عادةً على أنه شكل من أشكال التصوف الإسلامي، حيث يسعى الأفراد إلى البحث داخلياً عن الله والتخلص من الأمور الدنيوية.
- تواجد الصوفيين في جميع أنحاء العالم الإسلامي يشمل السنة والشيعة، ومع ذلك، يُعارض الكثير من الجماعات السنية المتشددة هذا الاتجاه بشدة.
- حالياً، يُشكل الصوفيون حوالي 15٪ من السكان المصريين، وهناك 77 طريقة صوفية معترف بها رسميًا.
- تشمل الممارسات الصوفية الشائعة في مصر التلاوات الجماعية والفردية، والاحتفال بمولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) خلال أعياد المولد، فضلاً عن زيارة مقامات القديسين.
- المجلس الأعلى للأوامر الصوفية، الذي أُسس في عام 1903، هو الهيئة الحكومية المسؤولة عن تنظيم الأخوية الصوفية، ويتولى إدارة تعيين الشيوخ ومنح تصاريح الأعياد.
- تعمل الهيئة على ضمان توافق الممارسات الصوفية مع المعايير والقوانين الإسلامية، وتتكون من عشرة أعضاء منتخبين يمثلون شيوخاً من جميع الطوائف.
- من المهم الإشارة إلى أن هناك خمسة أعضاء معينين يمثلون جامعة الأزهر ووزارة الأوقاف ووزارة الداخلية ووزارة الثقافة والإدارة المحلية.
- ينص القانون رقم 118 (1976) على أنه يُحظر على الأوامر الصوفية ممارسة أي نشاطات غير مصرح بها من قبل المجلس الأعلى.
الطرق الصوفية في مصر
1. الطريقة الرفاعية
- تُعتبر الطريقة الرفاعية واحدة من أكبر الطرق الصوفية في مصر، وتتمتع بشعبية بين مختلف الطبقات الاجتماعية. تأسست في العراق في القرن الثاني عشر على يد أحمد الرفاعي.
- كان مؤسسو الطريقة معروفين بأداءهم لأعمال خارقة في لحظات روحانية، مثل السيطرة على الثعابين وابتلاع النار.
- تثري هذه الممارسات فضول المتابعين، ولكنها تُقابل أحياناً بمواقف سلبية من قبل بعض الجماعات التي تعتبرها مفرطة أو غير مقبولة.
2. الطريقة الشاذلية
- تُعد الطريقة الشاذلية واحدة من الطرق الصوفية الرائجة في مصر منذ القرن الرابع عشر، وتتميز بمرونتها وبساطة هيكلها، مما يسهل عليها التكيف مع مختلف الظروف.
- تمتلك الشاذلية أكثر من 70 فرعًا عبر العالم، وترتكز على القيم الإسلامية السنية والتي تشمل القرآن والأحاديث وتطهير النفس.
- وُلد مؤسسها، أبو الحسن الشاذلي (توفي عام 1258)، في المغرب، حيث بدأت الطريق ومن ثم انتقلت إلى مصر حيث استقر ودفن بالإسكندرية.
- من بين أعلامها ابن عطاء الله السكندري (المتوفى 1309) وهو شيخ مشهور ينتمي لنفس الطريقة.
- لا تزال أعمال الشعراء والخطباء تحظى بتقدير كبير في التراث الصوفي، ومن الشخصيات البارزة أيضاً الإمام البوصيري، الذي كتب قصيدة “البردة”، الأكثر تلاوة في العالم الإسلامي السني.
3. الطريقة القادرية
- تُسمى الطريقة القادرية نسبة إلى عبد القادر الجيلاني (1077 – 1166)، مؤسس الطريقة والمدرس الصوفي المعروف.
- لا توجد معلومات وفيرة عن حياته، ولكن يُنسب إليه العديد من المعجزات والأقوال. يُعتبر الجيلاني أحد الأوائل الذين أسسوا الطرق الصوفية.
- هناك من يعتقد أن القادرية كانت رائجة في حياة عبد القادر، إلا أن الاستمرار في توفرها يعود إلى فترة طويلة بعد وفاته.
- على أي حال، تلعب القادرية دوراً مهماً في انتشار الإسلام.
4. الطريقة البكتاشية
- تمثل البكتاشية اعتقاداً صوفياً له تاريخ طويل في ألبانيا، وقد اعتمدها جنود النخبة من الإمبراطورية العثمانية المتواجدين في المناطق المسيحية بالبلقان.
- أسس هذه الطريقة شخص يُدعى “حاج بكتاش ولي”، ولكن هناك جدل حول مؤسسها الحقيقي والذي يُعتقد أنه “بابا بالم” الذي توفي عام 922هـ / 1516م.
- تاريخ البكتاشية نشأ في بلاد الأتراك وآسيا الصغرى، وثمة دلائل على وجود فروع لها في أماكن خارج هذه المناطق مثل القاهرة.
5. الطريقة الدسوقية “البرهامية”
- تعد الطريقة الدسوقية واحدة من الطرق الصوفية المتميزة في مصر، والتي تُعرف أيضاً بـ “البرهامية”. تأسست على يد برهان الدين إبراهيم بن أبي المجد المعروف بالدسوقي.
- يعتبر الدسوقي أحد الأقطاب الأربعة في التصوف، وتعتز الطريقة بانتشارها الكبير في مختلف أنحاء العالم.
- ولد الدسوقي عام 633 هـ وتوفي في مصر عام 676 هـ، ويعود نسبه إلى آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك الحسين بن علي -رضي الله عنهما.
- تتركز الدسوقية خصوصاً في مدينة دسوق في محافظة كفر الشيخ، ويوجد عدد من الفروع المهمة مثل الشرنوبية والسعيدية وغيرها.
- رغم عدم وجود أرقام دقيقة، يُعتقد أن عدد أتباع الطريقة يتجاوز الخمسين ألفاً.
- تتسم الطريقة بالتشابه مع الشاذلية من ناحية الانتساب، حيث يتم ذلك من خلال التصافح والذكر في الجماعات، وارتداء الخرقة الخاصة بهم.
6. الطريقة الخلوتية
- تُنسب الطريقة الخلوتية إلى الشيخ محمد بن أحمد الخلوتي الذي وُلِد في بيت المقدس. يُعتقد أنه سافر عبر العديد من البلدان لنشر تعاليمه، ويُعتبر من أتباع الطريقة السهروردية.
- مكن الخلوتي من الجمع بين التعاليم الصوفية وتربية المريدين، ولهذا سُمّيت الطريقة بالخلوتية لكثرة ممارسات الخلوة.
- يُعتقد أن الطريقة كانت شائعة في مصر خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وكان للشيخ مصطفى كمال الدين البكري، الذي توفي عام 1162 هـ، دور بارز في انتشارها.