عمر بن عبد العزيز
تولى عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- منصب الخلافة في عام 99 للهجرة، بعد فترة شهدت انحراف الخلفاء عن نهج النبوة وتفشي الظلم. جاء ليعيد الأمور إلى نصابها، فحقق العدل وساهم في تحسين أوضاع المسلمين، كما التزم بتعاليم السنة النبوية، وعنى بكافة فئات المجتمع. لذا استحق بجدارة لقب “الخليفة الراشد الخامس” كما أشار إلى ذلك بعض العلماء. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ يبعَثُ لِهذِه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مئةِ سَنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها)، وقد رُوي أن المجدّد في المئة سنة الأولى كان هو عمر بن عبد العزيز. خلال فترة حكمه، شهد الإسلام عزة، حيث عمل بجد للقضاء على الظلم ونشر العلم والخير في سبيل الدعوة والدين الإسلامي.
نسب عمر بن عبد العزيز
وُلد عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، المعروف بأمير المؤمنين، وأمه هي ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، واشتهر بلقب “أشج بني مروان”. كان شخصية ملتزمة، يتميز بالعدل والزهد، ويتطلع للعلم والأدب. عندما تولى والده منصباً في مصر، اقترح عليه الانتقال معه، لكنه اختار الذهاب إلى المدينة المنورة لطلب العلم، حيث قضى وقتاً مع الفقهاء والعلماء، حتى أصبح واحداً من أشهر العلماء بها.
تميز عمر بن عبد العزيز بحياة الزهد، حيث ترك قصر الخلافة في دمشق وعاش في بيته متخذاً الحصير مجلساً له. عندما تولى الخلافة، دعا زوجته فاطمة وأخبرها أنه باع نفسه لله، وعليها أن تقرر بين الرفاهية أو البقاء بجانبه، فاختارت العيش إلى جانبه، مبتعدة عن متاع الدنيا. وكان لديه ثياب قليلة، ففي وقت خلافته اختار أن يرتدي ثوباً واحداً فقط، وكان يغسله يوم الجمعة وينتظر حتى يجف ليعود إلى الناس.
أهم إنجازات عمر بن عبد العزيز
قبل أن يصبح خليفة المسلمين، تولى عمر بن عبد العزيز ولاية المدينة المنورة لفترة عدة سنوات، قدم فيها العديد من الإنجازات التي أدخلت البهجة على قلوب أهلها وأكدت قدرته على تحمل مسؤولية الخلافة. ورغم قصر مدة خلافته التي استمرت لسنتين و عدة أشهر، إلا أن تلك الفترة شهدت تحقيق إنجازات مذهلة تجعل اسمه من بين المجددين في الأمة الإسلامية. وفيما يلي أبرز إنجازاته:
ولاية عمر بن عبد العزيز للمدينة
عين عمر بن عبد العزيز والياً على المدينة المنورة عام 86 للهجرة، حيث استقبل أهل المدينة قدومه بفرح وحماس، كونه كان معروفاً بتديّنه وعلمه. وقد ساد الأمن والسكينة في المدينة، وعين مجموعة من العلماء والنواب للقيام بمسؤولياتهم. ومن أبرز إنجازاته في هذا السياق تجديد المسجد النبوي وتحسين بنيته، قبل أن يعزله الخليفة الوليد بن عبد الملك عام 93 للهجرة.
خلافة المسلمين
أوصى سليمان بن عبد الملك بخلافته لعمر بن عبد العزيز بسبب ذكائه وتقواه وعلمه. تولى عمر الخلافة عام 99 للهجرة، ومن بين أهم إنجازاته في تلك الفترة كان:
- تدوين السنة النبوية؛ يعتبر هذا الإنجاز أحد أهم ما قام به عمر بن عبد العزيز. فقد أمر بتدوينها وجمعها في دفاتر، بعد أن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك. وأرسل البخاري في صحيحه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن حزم يحثه على جمع أحاديث النبي المتداولة.
- احترام حقوق الإنسان وذوي الاحتياجات الخاصة؛ حيث شمل اهتمامه توفير خدم لكل مريض وأيتام، وكذلك ذوي الإعاقات.
أقوال في عمر بن عبد العزيز
انتشر ذكر عمر بن عبد العزيز بين الناس، ولاقت سيرته الطيبة الكثير من الأقوال الحكيمة، ومنها:
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنّ من ولدي رجلاً بوجهه شين يلي، يملأ الأرض عدلاً)، وقد قال نافع مولى ابن عمر: (لا أحسبه إلّا عمر بن عبد العزيز).
- قال ابن كثير عن عمر بن عبد العزيز: (كان من أحسن الناس معاشرة، وأعدلهم سيرة، وكان يدعو الفقهاء لعقد اجتماعات لبحث الأمور الصعبة).
- قالت فاطمة زوجة عمر بن عبد العزيز عنه: (ما رأيت من يكثر الصيام والصلاة أكثر منه، ولا أحد يملك من الخوف من الله ما يملك).
وفاة عمر بن عبد العزيز
توفي عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- في مدينة حمص، في شهر رجب من عام 101 للهجرة، وقيل في عام 102 للهجرة. وقد توفي وهو يتلو قوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).