أنواع الضرر في الفقه الإسلامي
لفهم أنواع الضرر في الفقه الإسلامي، يجدر أولًا تحديد مفهومه. يُعرف الضرر في الشرع بأنه إلحاق المفسدة بالآخرين. يُمكن تعريفه بشكل أكثر تفصيلاً بأنه “كل إيذاء يصيب الشخص في ماله، جسمه، عرضه، أو سمعته”. لذلك، يمكن تصنيف الضرر إلى عدة أنواع كما يلي:
- الضرر المادي
ينقسم الضرر المادي إلى نوعين رئيسيين، وهما:
الضرر المالي
يتعلق هذا النوع من الضرر بالأضرار التي تلحق الأموال بمختلف أشكالها، مثل الحيوانات، العقارات، والأموال المنقولة. يحدث الضرر المالي عبر التعدي، الاستيلاء، أو الإتلاف. ويمكن تصنيف الإتلاف إلى نوعين: الإتلاف الكلي والإتلاف الجزئي.
الضرر الجسدي
يشير هذا النوع من الضرر إلى الأذى الذي يلحق بجسد الإنسان، وذلك من خلال إزهاق الروح، قطع الأعضاء، التشويه أو الإصابة، مما يؤدي إلى إلحاق عاهة بالجسد.
- الضرر المعنوي
الضرر المعنوي هو ذلك الذي يصيب الإنسان من خلال الإساءة إلى عرضه، شرفه، مشاعره، أو سمعته، عبر أساليب مثل الشتم والقذف.
أنواع إلحاق الضرر بالآخرين
يمكن تصنيف إلحاق الضرر بالآخرين إلى قسمين أساسيين، كما يلي:
- الإضرار المحض
يمثل هذا النوع من الإضرار حالة يكون فيها الشخص ليس لديه هدف آخر سوى الإضرار بالغير، مما يجعل هذا التصرف قبيحًا وغير مقبول شرعًا. وقد ورد النهي عن ذلك في نصوص قرآنية عدة، مثل قوله -تعالى-: (مِن بَعدِ وصيَّةٍ يُوصى بِها أو دَينٍ غَيْرِ مُضَارٍ)، وكذلك في مواضيع الرضاع والرجعة.
- الإضرار لمصلحة
وفي هذه الحالة، يكون الإضرار مصحوبًا بمصلحة شخصية يسعى الفرد لتحقيقها، مثل تصرف الشخص في ملكه بشكل يسبب الضرر للآخرين أو حرمانهم من حقهم في التصرف.
أساليب إلحاق الضرر
يمكن أن يتم إلحاق الضرر بطرق متنوعة، منها:
- بالقول، مثل السب والشتم والقذف وشهادة الزور.
- بالفعل الإيجابي، من خلال الضرب، التخويف، أو الإضرار بالبشر.
- بالفعل السلبي، كامتناع عن مساعدة المحتاجين أو عدم إطعام الجائعين.
التعويض عن الضرر
التعويض عن الضرر المادي
يتم التعويض عن الضرر المادي من خلال دفع مبلغ معين للشخص المتضرر، كتعويض عن المال المفقود أو المعتدى عليه عبر الإتلاف أو القطع. وبهذا، تتحقق العدالة وتفصل الخصومات. يناقش الفقهاء تفاصيل طرق التعويض عن المال المتلف أو المنفعة المسروقة عادة في كتب الفقه.
التعويض عن الضرر المعنوي
يكون التعويض عن الضرر المعنوي أو الأدبي عبر العقوبات التوبيخية أو التعزيرية، عندما لا يستدعي الأمر تطبيق الحد. يشير الحديث النبوي عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- إلى أهمية هذا التعويض، حيث قال: (إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ).
هذا بالإضافة إلى إمكانية تلقي التعويض المالي عن الأضرار المعنوية والأدبية، وهو أمر تم طرحه في الفقه الإسلامي المعاصر.
حكم إلحاق الضرر
تستند أحكام إلحاق الضرر إلى ما ورد في السنة النبوية، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضرَرَ ولا ضِرارَ). ويشير الضرر في هذا الحديث إلى “إلحاق الأذى بالآخرين”، بينما الضِرار يعني “رد الأذى بأذى”، مما يؤدي إلى إيذاء الآخرين. من هنا، يحرم على المسلم إلحاق الضرر أو الضِرار بأخيه المسلم.
ويشمل النص تحريم كل أنواع الإضرار، حيث يعدّ نوعًا من أنواع الظلم. يختلف الوضع بالنسبة لما ورد في الشريعة من حدود وعقوبات تعتبر إيقاع الضرر بحق. ولذلك، يحظر الإضرار بالآخرين بغير حق، ويستوجب العقوبة من يعتدي على حدود الله -تعالى- وفقًا لما اقترفه من جرم.
إذاً، إن الإضرار بالمال أو الجسد أو العرض محرم، حتى في الحالات التي يقوم فيها الشخص بتصرف في ملكه مما يؤدي إلى الضرر للآخرين، كما في حالة إشعال النار في يوم عاصف مما يسبب الضرر للجيران.