المدارس اللغوية العربية المعاصرة
تنوعت المدارس اللغوية العربية المعاصرة إلى أربعة أنواع رئيسية، على النحو التالي:
المدرسة البيانية
أُسِّست هذه المدرسة على يد الأديب العباسي “الجاحظ”، وسُمِّيت بهذا الاسم نظرًا لأن البيان هو العنصر الأساسي الذي تستند إليه، حيث يعبر عن هذه الظاهرة اللغوية الإنسانية بشكل فريد. إذ إن نقل الأمانة التي كُلِّف بها الناس يتطلب منهم ما يُعرف عند الجاحظ بـ “التبيين”، وهو أمر يتطلب توضيح الحقيقة.
يُعتبر “الجاحظ” الممثل الأبرز للمدارس الكلامية المستوحاة من القرآن الكريم، حيث اعتمد على مضامينه وتأمل في أصول اللغة وتطورها وعلاقتها بالإنسان. سعى أيضًا لفهم كيفية نشوء الكلام وما تحتويه الرسالة من دلالات ومواقف مختلفة وغيرها من عناصر.
قام “الجاحظ” بتلخيص أنواع الدلالات في خمس نقاط رئيسية، وهي بالترتيب التالي:
- اللفظ.
- الإشارة.
- العقد.
- الخط.
- النسبة.
المدرسة الشمولية
يُعتبر “السكاكي” مؤسس المدرسة الشمولية، والتي تُعتبر الأكثر تطورًا في مجال الدراسات اللغوية العربية. لم تُعرف مدرسة عربية أخرى بمثل اتساع وعمق هذه المدرسة. سعى “السكاكي” في هذه المدرسة إلى تصنيف العلوم الإنسانية بطريقة شاملة، حيث نظمها في شجرة ذات جذور مرتبطة بقواعد اللغة، بينما تشمل فروعها كافة أشكال الكلام.
عند النظر إلى التطور، نجد أنه ينقسم إلى فرعين رئيسيين: النحو والصرف، اللذان يتصعدان إلى مستوى البلاغة، حيث يُنتج النحو “علم المعاني”، ويُنتج علم الصرف “علم البيان”. حدثت العديد من الانتقالات المنهجية بين العلوم بشكل تدريجي ومتسق، مما يعكس الرؤية الشمولية التي يتمتع بها “السكاكي” في كتابه “مفتاح العلوم في البلاغة”.
مدرسة النظم
أسس “عبد القاهر الجرجاني” مدرسة النظم، التي تقوم على نظرية النظم. اعتمد “الجرجاني” في دراسته لإعجاز القرآن الكريم على هذه النظرية، حيث تهتم بالنظم كآلية ترتب الكلام، وتنقل الجملة من التركيب البسيط نحو تراكيب قرآنية إبداعية. وتشمل هذه التراكيب الجوانب الصوتية والأسلوبية والدلالية والعجائبية.
يركز “الجرجاني” على النظم في المعاني وليس الألفاظ. كما يميز بين نظم الحروف ونظم الكلمات، حيث لا يفضل أحدهما على الآخر، برغم أن نظم الكلمات يحمل ميزات خاصة، إذ يتتبع الناظم ترتيب معاني الكلمات في ذهنه، بينما يأتي تنظيم الحروف عبر التوافق الاجتماعي.
المدرسة الارتقائية
تأسست المدرسة الارتقائية على يد “ابن خلدون”، الذي استخدم فيها النظرية الارتقائية لبناء نظرية التحصيل. تشرح هذه النظرية كيفية نشوء المعنى من الفعل، فعند تكرار الفعل تنشأ الصفة، وإذا تكررت الصفة تصبح حالة (صفة غير ثابتة)، وإذا تكررت الحالة تتطور إلى ملكة، والتي تُعتبر “المقام” من منظور المتصوفة.
يعتقد “ابن خلدون” أن هذه المراحل الخمسة (المعنى، الفعل، الصفة، الحالة، والملكة) تتطور على نحو تدريجي، أي عبر مراحل متعددة وفترات طويلة، مما يُمكِّن المتعلم من استخدام اللغة بشكل يتيح له التحكم فيها بفعالية.