أبرز قصائد معروف الرصافي
قم في الأرض صرحاً من نور
قم في الأرض صرحاً من نور
يلامس عرش السماء
ثم إن جسم المعرفة يتجسد
في مجدٍ يرتدي رداءً فخماً
تضع في يده وسام العلياء
وما في المدح عنك يعبر
اجلسه على العرش يبسط
ويحقق ما يشاء من الرفعة
قف وارفع بصرك إليه وانظر
أهلاً ببيت الفضلاء، يا من
فضائله لا تنتهي أبداً
هل يمكنني أن أصفها بوضوح
ومن لي بتلك القدرة على فهم العلو
أود أن أكمل مدحك عالياً
فيرجعني علوك إلى الوراء
وما وفى الثناء عليك مثنٍ
لأنك أعلى بكثير من المدح
وما اشتعلت حكمة مثلك
يا إمام الأذكياء
ولو كانت أشعتها تتناظر
شعاعك، ما انطفئت من الهواء
بإبداعك نمت شجرة المعرفة
مثلما الزهور تنمو بنور الشمس
أقسم لو كنت من ذرية
لكنت الشمس في كبد السماء
ولولا بزوغ الفجر كل يوم
لقلنا إنك الفجر بلا شك
أما آن أن تأخذ البلاد عهدها
أما آن أن تعود البلاد إلى عهدها
وتتفجر من نومها الهجود
متى يأتي التنبيه للقلوب؟
وأعجب من أن هذه القلوب تتحرك
أما أسدٌ يحمي البلاد فالغضنفر
استبد بها بظلمٍ رئيسها
برئت إلى الأحرار من شر أمة
أسيرة لطغاةٍ أثقلوا كاهلها
سقى الله أرضاً جفت من أمانها
وقد كان رواد الأمان يديرونها
تجري الجور في بلادٍ فسيحة
فقد ضاقت على الأحرار حلماً
عجبت لناس يخضعون لطغاة
يسومهم بالمعاصي رئيسها
وأعجب أنه يرعبهم
وأموالهم منهم ومن جيشهم
إذا وُليتْ الأمور لطغيانهم
وساد برؤوسهم أفراخهم
وأصبح الأحرار في كل وجه
يتقي الأذى عن طريقه
وأصبح اللئام يغتصبون حقوق الكرام
وينال الذمَّ لبيدٌ في قصائده
فما أنت إلا أيها الموت بركة
تعز على أصحاب الحفاظ جحودها
اعلم أن حرية العيش هي غادة
تمنى كل نفس وصالها ووفودها
تضيء ظلمات الحياة جبينها
وتنفتح المعالي حيث نشهدها
لقد واصلت قوماً وتركت خلفك
الأشخاص الذين تمنى الموت لولا وعودها
وقد ضعفنا في انتظارها
فما أضرارها إذ انتظرت قعودها
بني وطني، لماذا أراكم تحتملون
على كوارث أعيا الحصى عدها؟
أما عندما تحمل البذور الهوان
فإذا حملتها الراسيات، فإنها تسقطها
فقد انزلقتم عن السعي نحو العلا
فيما الوقت يهمل رجالكم قعودها
ولم تأخذوا في العادة تقديراً للأمر
فأتى الزمان بأمورٍ خانقة
ألم تروَ الأقوام الأمريكيون بسعيهم
سأسقيكم بمآثر الزمن المضيئة
وابتعدوا كملا ليكونوا في الأعلى
بثياب عزٍ لا تتضعضع سردها
قد سلبتكم، وا أسفاه، الخسارة
الشيطان منكم من قيدٍ صايدها
وما اتقدت نار الحمية منكم
لأنها فقدت الوحدة واستطالت خمودها
ولولا اتحاد الجماهير لما اندلعت من النار
إذا جاهل منكم مشى نحو عودة
مشى جمعكم بلا قصد يريدها
كأنكم الحمير تسقطون عندما
تكتسب القوة فوق الجبال
ومثاله قد اهملته رعياتها
بمأساة جاعت لعشر أسود
فانتظرت بلا راعٍ يحمي مراحها
فرائسٌ بين الذئاب ستفنيها
أضيع منكم حيث لا شجاعة
تدفع الرزايا عنكم وتبددها
هل يطمع هؤلاء الناس في الوصول إلى آمالهم
ولم يتقنوا في يوم المنافسة زنودها؟
فهل أضاءت في الجو شعلة بارقة
وما ارتعدت بين الغيوم أصواتها؟
وادخنة النيران لولا اشتعالها
لما تحقق في هذا الفضل صعودها
ومن قصد في سوق المجد تجارة
فلن تكون سوى بيض المساعي مالها
أسئلة عن ضيافتنا في بغداد
أسئلة تعنينا في بغداد، نحن
بهائم هنا، أعوزتنا الحياه
ارتفعت أمة الغرب في السماء وأشرقت
علينا فظلنا ننظر إليهم من الأسفل
وهم ركضوا خيولهم في رحلة السعي، وقد كبا
فرسنا عن مقدمة السعي المنقطع
فنحن أناس لم نزل في عزلتنا
مثل يهود، حيث كل أيامنا كالسبت
خضعنا لحكام يجورون علينا
أفواههم تمتلىء بالسحت مما نهبوا
وكم خدعونا ساسة الأمر بحيلة
فتم علينا بالخداع هذا الدستور
لماذا نخاف الموت جُبناً ولا نذهب
للدب لمن يتسبب في الفوضى؟
إذا كنت لن تجد مهربًا من الموت
فهل يفيدني أن أخاف منه أو أتهيب؟
وللموت أفضل من حياة تشوبها
شوائب الظلم والذل والاحتقار
إلى كم سيظل الدمع يضع على عينيك؟
إلى كم ستصكب عيني من الدموع
وحتى متى ستشعل نار الفراق في القلب؟
أبيت ووجدٌ يشتعل بنيرانه
ودمع على خدي يتصبب
وهل لمشتاقٍ خانته الصبر عنكم
سوى دمعه، فهو الدواء المجرب
ألا إن يوماً جرد الفراق سيفه
فيكُن يوم غليظ الأعصاب
يا ليت شعري هل سأفوز برؤيتك
وجهك، حيث كل المحاسن تنسب
وعينيك لا أستطيع أن أترك أو يصبح الليل
وشمس الصباح تُخفي جبينها
فإني كما شاء الحب بك متيم
وأنت كما شاء الجمال محبوب
أشتاق إلى رؤياكم كلما هب نسيم
وأبكي كلما لاح كوكب
وأذكركم عند شروق الشمس
ويعزو لي الصبر كلما غابت الشمس
لقد اضمحلت قدرتي يوم فراقكم
بمرور زمنٍ ظل يتجدد
هل ترى صديقي في الزمن، هل ترون
كل صفاء من الشوائب يتجمع؟
احذر من البصرة المضنية المقامة
احذر من البصرة، المتعبة بالتوطين
فلا تسير فيها سوى الكائنات الغريبة
لا تعجبك الأشجار بخضرتها
فما هي إلا خضرة لا تنفع
ما إن يقي أحدهم في مساكنها
إلا ويفقد صحته
ماء ملوث وطقس قاتم ورائحة
نَتن وشدة حر غير آمن
انظر تجد أهلها كأنهم
مستحقون للراحة في أكفانهم
صفر الوجوه قد امتصت دماءهم
بعد الحمى قد حرمتهم لذة الراحة
أظهر الزمن في كتاب الشهادة
أظهر الزمن في كتاب الشهادة
بالنور فوق جبينه المكتوب
إن السماحة والشجاعة والمجد
جمعت بوضوح في أبي عبعوب
رجلٌ كريم يعشق العطاء
مثل الرياح التي تتغلغل في الهبوب
أسدٌ نبته لآل قيس في بلادهم
آباءٌ يجمعهم المجد الصادق
ورث المكارم عن أبيه ولم يزل
يسمو بعزمٍ لا يضاهيه أحد
ما زال يوقد يوميًا في الوجود
نارين: نار القرى ونار الحروب
يرشد جموع المظلومين إلى سيبه
في الليل يضيء لهيبها المشتعل
خُلقت من الأصل الموغل في الكرم
لعنان رحمة وكشف كروب
حمدت إنجازات السيوف في يده
والخيول كل مطيّة تسير
إذا شن فوقها هجوم
يترك العدو في حيرة المعارك
يلتقي الفُرسان والسكينة تحت درعه
ويخوض معركته دون خوف
فخر الكرام على المكارم والجود
قامت دعائم بيته العثيم
للجود أعينٌ تراه ولم يكن
للقوم في المعارك أغلبية
يتفقد الضيوف في كل صباح
وفي كل غروب
كالعبد الذي يكرم الضيوف رغم أنه
في القوم أكبر سَيد معصوب
عمَّ الأرامل واليتامى كرمه
فغدت تعيش بماله الموهوب
خلق الكريم ابن الكرام محمد
لتسعد قلوب المحزونين وتجبرهم
والله لو كان الكرام بلاغة
كان الكريم المعجز الأسلوب
أرى حياتنا تصر على عدم امتدادها
أرى حياتنا ترفض الاستمرارية
وكأننا في كيس المنون نعيش
وما زال وجه الأرض يتسع للموت
لطاماً وتلك القبور تعاني علامات
وكأننا على الماء من ريح الحياة نقوش
اللهم اجعل دنيا كل يوم بأهلها
تسقط الحصون أو تتساقط الأعمدة
تتحرك سهام العيش فيها كما طوائش
ولهم الموت سهم لا يكاد يخطئ
نمد أيدينا لقطف المنايا وهي كثيفة
من العمر فما يكاد أن يصل
ونرجو ومن سيف الموت في أمانينا
جروحٌ باتت تُثير الشجون
ويكون العيش جميلاً لو لم يكن فيه
أحياناً يحدث المصير مريش
حقاً إن الزمن تتقلص خطوبه
وإن صراخ الصارخين يعوم
وما الزمن إلا للخلائق يتجدد
له مرجل بالحادثات يتوحّد
وكأن جنود الموت ترافقنا
نجوب بأدواء الحياة في شدة
ومن نظر للدنيا بعين اعتباره
التفكير متساوٍ بين المهود والنعوش