هناك تباين كبير بين المجتهد والمقلد، حيث إن كل منهما له تعريفات مختلفة وتعكس مفاهيم وأبعاد متعددة. وقد استنار العديد من العلماء بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية لتوضيح هذه الفروق والرد على هذا التساؤل الحيوي.
تمييز المجتهد عن المقلد
يوجد اختلاف واضح بين الشخص المجتهد والشخص المقلد، وقد يتمحور هذا الاختلاف حول عدة جوانب، وفيما يلي توضيح مفصل لهذا الموضوع:
التعريف العام لكل منهما
تختلف تعريفات المجتهد والمقلد كما أوضح العلماء في الدين الإسلامي، وتتمثل تعريفاتهما كالتالي:
المجتهد
- المجتهد هو الفرد المتخصص في علوم الشريعة الإسلامية، والذي يبذل قصارى جهده لتحصيل أكبر قدر من المعرفة الشرعية.
- هو أيضًا الشخص الذي يستثمر العلم الذي منحه الله تعالى لاستنباط الأحكام الشرعية بما يعود بالنفع على المجتمع في أمور الدين.
- غالباً ما يكون لهذا الشخص مذهب خاص به يتبعه عدد من الأفراد، مثل الإمام الشافعي أو الإمام مالك وغيرهم من الأئمة الذين أسسوا مذاهب تدل على استمرارية المعرفة الشرعية حتى يومنا هذا.
المقلد
- بالمقابل، المقلد هو الشخص الذي يتبع علماء آخرين يعتقد أنهم على مستوى عالٍ من الأخلاق والدين.
- بمعنى آخر، هو يتبع الآخرين دون الاستناد إلى دليل شرعي، بل بناءً على ميوله الشخصية.
التفاوت في الأفضلية بين المقلد والمجتهد
هناك تباين كبير بين المجتهد والمقلد من حيث الأفضلية في نظر الله تعالى، حيث يُحاسب كل منهما وفقًا لأفعاله، وإليك بعض التفاصيل:
المجتهد يُكافأ على اجتهاده
- يُثاب المجتهد نتيجة جهوده في السعي وراء الحق، حتى وإن وقع في خطأ، فهو يُؤجر على اجتهاده في السعي نحو المعرفة الحقيقية لله.
- يعود سبب الأجر حتى عند الخطأ إلى امتلاكه الأدوات اللازمة للاجتهاد، فكلما استغل إمكانياته يُكافأ إذا أصاب.
- عند حدوث الخطأ، يحصل مجددًا على أجر اجتهاده فقط ولا يُخصم له شيء بسبب ذلك.
المجتهد ينفع الآخرين بالعلم
- يسعى المجتهد باستمرار لتقديم العلم الذي اكتسبه للآخرين، مشجعًا إياهم على اتخاذ القرارات السليمة.
- لذا يُعتبر المجتهد مؤهلاً للأجر الكبير في حال نيته الصافية لمساعدة الآخرين بكسب المعرفة.
المقلد لا يُثاب على تقليده
- على الجانب الآخر، المقلد لا ينال أجرًا للتقليد، حتى وإن اجتهد في بعض الأمور الشرعية.
- يعود ذلك لعدم امتلاكه الكافي من المعرفة التي تمكنه من بلورة الأحكام الشرعية، مما يجعله فاقدًا لأهم المهارات اللازمة للاجتهاد.
المقلد يتبع بلا دليل
- المقلد يتبع الآخرين بدون أن يستند إلى أي أدلة شرعية، مما يجعل اتباعه غير مستند لأسس واضحة، وبالتالي فلا يُستحق الأجر على ذلك.
- لأنه يعتمد على مرشدين دون تحقيق في علمهم، مما يفقده الحق الأساسي في الحصول على الأجر.
الأدلة الشرعية على تفضيل المجتهد
توجد أدلة شرعية في الدين الإسلامي تدعم المفهوم المشار إليه أعلاه حول أفضلية المجتهد على المقلد، وتشمل:
- قال عمرو بن العاص إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: “إذا اجتهد الحاكم ثم أصاب، له أجران، وإذا اجتهد ثم أخطأ، فله أجر.”
- يمكننا أن نستنتج من هذا الحديث تأكيد الرسول على القيمة العالية للاجتهاد، حيث يسعى الفرد لدراسة الأمور بنفسه بدلاً من تقليد الآخرين.
الحكم الفقهي للتقليد
يتعين على كل متعلم لأمور الشريعة الإسلامية أن يدرك الفرق بين المجتهد والمقلد، إضافة إلى موقف العلماء من التقليد الذي يتضح فيما يلي:
حكم التقليد في الأصول (العقيدة)
- أجمع العلماء على عدم جواز التقليد في الأمور العقائدية، فلا يجوز للمقلد أن يتبع في إيمانه بالله أو في مسألة اليوم الآخر أو الملائكة أو الكتب وغيرها من الأسس التي تشكل عقيدة الدين الإسلامي.
- واستدلى العلماء على موقفهم بقوله تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا، بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ”.
حكم التقليد في الفروع (الأحكام الفقهية)
- بينما التقليد في الفروع الفقهية مُعتبر بشهادة جميع العلماء، وهو جائز.
- واستدلوا على ذلك بآية “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”.
- إضافة إلى ذلك، هناك إجماع بين الصحابة على جواز التقليد في المسائل غير المتعلقة بالعقائد الأساسية.