أول من قام بحفظ القرآن الكريم
يُعتبر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هو أول من حفظ القرآن الكريم، حيث كان يستقبل الوحي عندما ينزل عليه، وكان بشوق كبير ليتلقى الآيات. وعندما ترد عليه هذه الآيات، كان النبي حريصاً على حفظها وفهم معانيها، حيث كان يسعى لتكرارها بشكل مكثف وبتركيز لتفادي أي خطأ أو سهو. وقد طمأنه الله -تعالى- بقوله: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ). وبعد استيعابه لهذه الآيات، كان يتلوها على أصحابه ببطء لتسهيل حفظهم. ومن الجدير بالذكر أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أمي، وقد أرسله الله -تعالى- إلى قوم غالبهم أميون، حيث ورد في القرآن: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ). وقد قام بحفظ القرآن الكريم عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم-، ومن بينهم الخلفاء الراشدين وطلحة بن الزبير وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عباس وعمرو بن العاص -رضي الله عنهم-، ومن النساء عائشة أم المؤمنين، وحفصة وأم سلمة -رضي الله عنهن-، وكل هؤلاء من المهاجرين.
تشير الروايات التاريخية إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أول من حفظ القرآن الكريم، لكن لم يتم تحديد شخصية معينة من الصحابة -رضي الله عنهم- كمستقبل للقرآن بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-. وبالرغم من ذلك، فمن المؤكد أن الخلفاء الراشدين احتفظوا به في عصر النبي. وقد وردت دلائل تشير إلى أن مجموعة من الصحابة قد حفظوا القرآن خلال حياة النبي -عليه السلام-، حيث جاء في كتاب “الإبانة” للمؤلف مكي بن أبي طالب القيسي أن أول من حفظ القرآن بعد النبي هو الصحابي سعد بن عبيد -رضي الله عنه-. أما من قاموا بجمعه من الخزرج فهم أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو زيد -رضي الله عنهم-.
جهود الصحابة في حفظ القرآن الكريم
أولى الصحابة -رضوان الله عليهم- القرآن الكريم أهمية قصوى في حياتهم اليومية، حيث كانوا يتسابقون في حفظه وفهم آياته. ترافق القرآن معهم في كل جوانب حياتهم، وفي جميع مراحل سفرهم وإقامتهم. كانوا يلجؤون إليه في استشاراتهم الدينية والدنيوية، مؤمنين بأنه العبادى الأعظم والذي سيحقق لهم النصر والسعادة من خلال التمسك به، وطاعة ما أمر به، والابتعاد عما نهى عنه، وتحليهم بأخلاقه وآدابه. ولذلك لم يكن هدفهم هم مجرد القراءة أو الحفظ، بل كانوا يسعون لتطبيق معانيه في حياتهم. النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يفضل قراء القرآن في مختلف المناسبات، حيث كان يُعيّن قارئ القرآن ليكون إماماً للجماعة في الصلوات، ويقدم صاحب القرآن في القبر عند وجود أكثر من واحد.
كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتعهدون بحفظ آيات القرآن على شكل دفعات، بحيث لا ينتقل أحدهم إلى مجموعة أخرى من الآيات قبل أن يتقن ما حفظه وفهمه. ولهذا الأمر، أصبح قراء القرآن علماء وفقهاء، وكانوا يعتمدون في حفظهم على التلقي مباشرة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من أحد الصحابة الذين تميزوا بدراسة القرآن بشكل متقن مثل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-. ولم يعتمدوا على الكتابات التي توثّق الآيات في زمن النبي -عليه السلام- أو في عصرعثمان -رضي الله عنه-. وقد تبنى التابعون ومن جاء بعدهم هذه المنهجية حتى عصرنا الحالي، مما جعل القرآن محفوظاً عبر سند متصل يصل إلى رسول الله -عليه أفضل الصلاة والسلام-.
أساليب لحفظ القرآن الكريم
توجد العديد من الأساليب التي تسهل عملية حفظ القرآن الكريم. وفيما يلي أبرزها:
- الإخلاص؛ من الضروري أن تكون النية خالصة لله -تعالى- أثناء عملية الحفظ، وأن يكون الهدف هو الحصول على رضوان الله -تعالى-، فقال الله -تعالى-: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ). فالشخص الذي يقرأ القرآن دون نيّة خالصة أو بهدف السمعة لا أجر له.
- تصحيح النطق وطريقة القراءة؛ يجب على الحافظ أن يتعلم كيفية القراءة بشكل صحيح من خلال الاستماع إلى قارئ أو حافظ متقن. وهذا ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما عرض القرآن على جبريل -عليه السلام-، ولا ينبغي الاعتماد فقط على الذات في القراءة الصحيحة حتى لو كان الشخص يجيد اللغة العربية.
- تحديد كمية الحفظ اليومية؛ يجب أن يحدد الحافظ مقدار ما يمكنه حفظه يومياً، سواء كان بآيات أو صفحات. بعد إعداد النية والتأكد من صحة القراءة، يمكن البدء في تكرار وتحفيظ الآيات. من المفيد إذا وضع نغمة معينة للتكرار، مما يعين على سهولة الحفظ.
- تثبيت الحفظ اليومي؛ أهمية تكرار الآيات المحفوظة بشكل دوري واستمرار المراجعة حتى لا يتم الانتقال إلى آيات جديدة قبل تثبيت الحفظ القديم.
- الاستخدام الدائم لمصحف واحد؛ يساعد ذلك في تثبيت الشكل الكتابي في الذهن، القراءة من مصاحف متعددة قد تكون عسيرة.
- فهم المعاني؛ من المفيد قراءة تفسير الآيات لفهمها، لكن التكرار يبقى الأساس.
- ربط بداية السورة بنهايتها، إتمام حفظ السورة بالكامل دون الانتقال لسورة أخرى.
- عرض الحفظ على شخص آخر؛ يُفضل أن يكون شخصاً يحفظ جيداً أو يتبع المصحف لتقويم الأخطاء.
- المتابعة المستمرة؛ يجب الحفاظ على تلاوة جزء من القرآن يومياً لتجنب النسيان.
- الاهتمام بالآيات المتشابهة؛ ينبغي على الحافظ مراجعة الآيات المتشابهة لتقوية ذاكرته ومعرفته بمواضع الاختلاف.
فضل حفظ القرآن الكريم
يسّر الله -تعالى- قراءة القرآن الكريم وحفظه، كما ورد في قوله: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، وقد ذكر الله هذه الآية أربع مرات في القرآن تأكيداً على أهمية ذلك. حثت هذه الآيات المسلمين على تلاوة القرآن وحفظه ومعرفة معانيه. كما خص الله أهل القرآن بمكانتهم العالية، فقال: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ). وقد تعهد الله -تعالى- بحفظ القرآن من أي تحريف، وأشار إلى الأجر العظيم لأهل القرآن وما أعدّه الله -تعالى- لهم من نعيم في الدنيا والآخرة.
كما أن الشخص الذي يحفظ القرآن الكريم مُبشّر بدخول الجنة، حيث روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “يقال لصاحب القرآن: (اقرأ وارقَ ورتل كما كنت تردد في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية كنت تقرأها)”. كلمة “صاحب القرآن” تشمل كل من حفظ القرآن أو جزءاً منه وتدبّر آياته وعمل بأحكامه. وبذلك، يرفع الله مكانة الحافظ في الجنة بحسب ما حفظه.